ذات يوم كنت أملك عصفورا صغيرا , رقيقا , جميلا ..
كنت أحبه حبا جما , وتعلقت به كما لو كان شخصا من دمي ..
كنت أحرص دائما على إطعامه و شرابه ونظافته , ونظافة قفصه النحاسي الأنيق ..
ولكنه كان حزينا دائما ..
تلك المسحة الخفيفة - ولكن العميقة - على وجهه , كانت تعكس تعاسة داخلية بلا حدود ..
كنت أريد أن أتحدث معه , أستفسر عن سبب حزنه ..
ولكن كان جدي يحذرني دائما من التحدث إليه , ويمنعني من تبادل الكلام معه ..
وجاء ذلك اليوم الذي تغيب فيه جدي عن المنزل , حينها , تغلب فضولي وحبي لعصفوري الصغير على تحذير جدي ..
و تحدثت معه ..
- لماذا تبدو حزينا ؟
- لست فرحا بحالي هذه , تأتيني بالطعام و الشراب كل يوم , بينما أرى أقراني يستيقظون منذ البكور ليبدأوا يومهم .. أنا محبوس هنا , فاقد لحريتي , بينما غيري يستمتع بحرية الطيران بلا موانع .. أنا وحيد , وغيري يتمتع بأسرة عظيمة , يعيش معها , وسيموت في وسطها ..
هزني كلامه من أعماقي , وشعرت به يهز أوتار قلبي , ويعزف عليها نغما حزينا ..
شعرت به , وبيأسه ..
لن أجعله يعيش في هذا السجن الأنيق ..
سأدعه يطير , يحلق عاليا , يعيش مع غيره من بني جنسه ..
سأعطيه حريته ..
أمسكت باب القفص , وفتحته عن آخره ..
انطلق .. حلق .. عش حرا ..
التمعت عيناه ببريق الفرحة , عبر الباب , فرد جناحيه , و طار عاليا ..
بعيدا ..
سمعته يصيح بهجة ونشوة :
أنا حر طليق ..
ظل جناحاه يخفقان بقوة و سرعة ..
جناحان لم يخفقا من قبل ..
جناحان لم يتعلما الطيران ..
ثقل جناحاه و تيبسا فجأة ..
ثم هوى من حالق , عاجزا عن الطيران ..
صرخت بجزع .. انطلقت أعدو .. أثب .. أبحث عنه أسفل النافذة , حيث كان يحاول الطيران ..
ووجدته ..
يفترش الأرض , فاقدا لروحه , ولكن ..
جناحاه مفرودان عن آخرهما ..
وكان مبتسما ..
ابتسامة من ذاق الحرية , ولو لأقل من دقيقة ..
25-9-2006